قصة - الموت الصامت
بارد ُ صوتها في تلك َ المكالمة ، احساسها متجمّد ، غدا لنا لقاء ٌ لن يطول ، أتذكر ُ خصلة الشعر ِ تلك التي قصصتها لك َ يوما ً ، وصورتي التي أخذتها مني ، وكم ّ الرسائل ِ المعطرة ِ بينا ، احضرها غدا ً عند الغروب ، سألقاك هناك مقابل َ المنارة حيث كانت لقاءاتنا ، أغلقت الخط ، وتحوّل جمود ُ فيها فيه إلى بركان ثائر ٍ من التساؤلات ، وعلى ما يذكر أنه في تلك الليلة لم يرف ّ له جفن ، ولم يزره النوم ..
وكان َ موعد اللقاء ، هو الذي جاء الى المكان ِ قبل الموعد بساعات ٍ ومرّ عليه الوقت دهرا ً ، جاءت بعد طول ِ انتظار ، بيدها لفافة من رسائل ٍ ، تعلو وجهها ابتسامة ٌ غريبة ، ونظرات ٌ وقحة ..
صمت ٌ عم ّ اللقاء ، لامست الشمس ُ الأرض َ تصافحا ً ، ولون ُ غروبها المحمّر بات َ بالذهاب ، لم يبق َ سوى ضوء المنارة ِ ينير مسرح لقائهم دقيقة ، ويعمي المكان َ ظلاما ً دقائق أكثر ..
لم تنبس شفافها بكلمة ٍ ، مدّت يدها بكل ّ ثقة ٍ ، امكست يده المترجفة ، وعيونه الذابلة ُ تراقبها ، وشفافه التي جفّفا الصمت وعقله الذي أتعبه التفكير كلها تراقب هذا الفيلم َ الصامت ..
أودعت لفافة الرسائل ِ في يده ، وحرّكت بها الى يده الأخرى ، وأخذت خصلة َ الشعر ِ المتدلية ِ من يده ، ورسائلها التي كتبها له خلال عمر حبهما .. وغادرت ..
ضوء المنارة ِ يكشف له للمرة الأخيرة شكلها وهي تبتعد عنه وتتلاشى ..
تركته وحيدا ً دون سبب ٍ ، يصارع ُ الخوف َ والأحزان ِ على حلبة ٍ لم تكن يوما ً له ، هو الذي لا يقتن فنون القتال ِ ..
ودّ في هذه اللحظة ِ أن يوقف َ الزمان َ ، كيف يعيد ترتيب الأحداث حسب ما يريد ، كي يفهم أسباب البعد ، وتلك َ النظرات ِ الغير ِ مفهومة ..
ماذا يفعل ُ بالرسائل ؟ كي ّ يقلب ذكراك ِ كل ّ ليلة ٍ ، هو الذي دموعه ان بكاها لفاقت هذا البحر الذي لطالما جمعتكما ضفافه ..
وإن صرخ الآن لكان َ صراخه رعدا ً وموجا ً هادر يقتلع كلّ ما يمكن أن يقتلع ..
ومن ذلك ِ اليوم ، أضاف َ التاريخ في جدوله السنوي ، عيدا ً جديدا ، عيد ُ أسماه الفراق ، يجمع ما تبقى من نفسه ، وذكرياته ، ولفافة ِ رسائلك ، ويأتي ها هنا .. إلى مكان اللقاء والفراق ِ ، يبكيكي بعد ثماني سنوات ٍ من الفراق ما زال َ يبكي ، فقد نذر جسده كي تستهلكه الأيام وعيناه كي تستهلكها الدموع بعد رحيلك
